ولعل إشكالاً يطرح نفسه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، وقد ذكرنا أن أصولها أربع فرق، وإذا أدخلنا الجهمية فإنها تكون خمس فرق، فكيف نطبق العدد كما ورد؟! وإذا تحدث من شرح الحديث عن هذه الفرق وأخذ يعددها، فهل عليه أن يوصل العدد إلى ثلاث وسبعين أم لا؟ وإذا لم يستطع ذلك فزاد أو نقص فكيف يفهم العدد الوارد في الحديث؟!
للعلماء في هذا العدد وجهتا نظر:
الأولى: أن المقصود بالعدد هو: التكثير، حيث أن مفهوم العدد مُطَّرَح، فليست الفرق محدودة أو محصورة بثلاث وسبعين، وإنما المقصود التكثير، وهو أن النصارى اختلفوا أكثر من اليهود، والأمة الإسلامية ستفترق أكثر من النصارى، فالعدد لا مفهوم له، وإنما المقصود مجرد التكثير، وقالوا: لو نظرنا إلى الفرق لوجدنا أن فرق الرافضة تزيد عن سبعين فرقة الخوارج تزيد عن أربعين أو خمسين فرقة، ثم ظهرت الصوفية، وظهرت الطرق، وفي العصر الحديث ظهرت فرق لم تكن موجودة من قبل، كـالقاديانية، والبهائية، وإلى الآن توجد وتظهر فرق، ففي أمريكا بالذات تظهر فرق غريبة جداً في هذه الأيام، وكذلك في أوروبا، وفي الهند، وكلها تنتمي إلى الإسلام.
إذاً: المقصود من العدد هو التكثير لا الحصر.
الوجهة الثانية: قال بعضهم: إن العدد مقصود، ولكن الثلاث والسبعين فرقة هي الأصول، وعليه فنستطيع أن نأتي بأصل الفرق، فنقول: الشيعة واحدة من الثلاث والسبعين، وكل ما تفرع عنها فهو فرع لها ولا يعد أصلاً، وكذلك الخوارج هي أصل أيضاً، وكل ما تفرع عنها لا يعد فرقة مستقلة، وإنما هو ضمن أصلها، ويكون الرقم (73) بمعنى المنهج والأصل العام الذي تتشعب منه فرق أخرى.
ولكن على كلا القولين لا نستطيع أن نجزم بأن فرقة معينة هي من الثلاث والسبعين فرقة، أو نطبق هذا الرقم على فرق معينة، ونحصرها، فقد أخطأالشهرستاني في الملل والنحل وأخطأ معه كثير من المؤلفين في الفرق، عندما طابق ما ورد ذكره في الحديث من ثلاث وسبعين فرقة على الفرق التي عرفها، وقال: الفرقة الأولى كذا، والفرقة الثانية كذا... حتى أكمل الثلاث والسبعين فرقة، فماذا نقول عن الفرق التي ظهرت فيما بعد؟!
ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: (لا يجوز لأحد أن يقول: هذه الفرقة من الثلاث والسبعين إلا بدليل يدل على ذلك)، فنحن لا نستطيع أن نذكر فرقة معينة ونقول: هي الأربعون أو الثلاثون، لكن نستطيع أن نقول: إن كل فرقة انحرفت وخرجت عن أهل السنة الذين هم الفرقة الناجية؛ فهي من الثلاث والسبعين ككل؛ فلا نعرف كم رقمها، ولا نعرف هل هي أصل أم فرع.
المهم عندنا -والذي نجزم به- هو أن الفرقة الناجية هي فرقة واحدة، والفرق الهالكة هي من الثلاث والسبعين، فكل فرقة هالكة -بخروجها عن منهج أهل السنة والجماعة- فهي من الثلاث والسبعين.
ولو نظرنا إلى هذه الفرق الهالكة، لوجدنا أنها لا تخرج عن الأصول التي ذكرناها، والتي وقع فيها الخلاف؛ لأنها إما أن تكون قد ابتدعت في أبواب الإيمان، أو القدر، أو الصفات، أو الصحابة، أو الإمامة، فنستطيع أن نعرف أصلها ومنبعها من حيث الأصول، لكن كونها فرقة مستقلة أو جزءاً من فرقة، هذا لا نستطيع أن نجزم به، ولا يهمنا أن نعرف ذلك، الذي يهمنا هو أنها من الهالكة، وليست من الفرقة الناجية.
فكل من لم يدخل في أهل السنة من الأفراد أو الجماعات، فهو من الهلكى.